اسكت أنت مش ناقص

في لحظة تجل غير طبيعية كان هناك توافق وتلاق بين الذاكرة الدماغية والذاكرة النفسية.. فنطق متحدثا بكلام ظل (حبيس) الذاكرتين زمنا طويلا ليخرج من فمه وبعظمة لسانه وهو يسترجع سلوكاً مشينا أقدم عليه في ناد انضم إليه ليلعب فيه (حارس) مرمى، إلا أن رئيس النادي حينما (اطلع) على سوءاته ما كان منه إلا أن أصدر قرارا بـ(طرده).. ومن ذلك اليوم الذي قضى على موهبته الكروية اختفى عن الأنظار ليبحث له عن هواية أخرى لعله ينجح في تخطي تلك المرحلة وسوء (سلوك) بقي في سجل (سيرته) الشخصية رغم محاولات النفي والرفض التي عادة ما يلجأ إليها.. لتأتي تلك الليلة لـ(يكع) ما في الذاكرتين (النجيبتين) من ماض لم يتمكن من أن ينساه (متجليا) برأي خص به حارس مرمى اشتكى منه جمهور نادي نجران الذي أقدم على حركة غير (أخلاقية) تجاههم، فقال في حديث صادر من عقله الباطن (لقد انتهى) هذا الحارس وكأنه يسترجع ماضيه وإن اختلف سوء السلوك بين الحالتين. – المذيع أو مقدم البرنامج الذي كان يستمع في حالة (إصغاء) جيدة لضيفه تجلى هو الآخر بـ(عفوية) وهو يدعو (الناقد الحصري) إلى التزام الصمت قائلا له بالحرف الواحد (أسكت أنت مش ناقص).. وهنا تلقائية المذيع حضرت ليس لأنه كان شاهدا على ذلك المشهد الذي أدى إلى طرد ضيفه من النادي و(نهاية) علاقته بكرة القدم وحارس كان من السهل جدا أن تهز شباكه، فهو لم يكن حاضرا تلك الواقعة إنما سمع عنها فوجد نفسه دون أن يدري في حالة صدام حدثت أيضا بين ذاكرتيه العقلية والنفسية.. فانزلق لسانه بتلك العبارة التي قالها (اسكت أنت مش ناقص).. وكأنه يقول له (أنت نسيت نفسك جايني الآن عامل فيها راجل).. ليجنب ضيفه كلاماً طويلاً عريضاً فيه استرجاع لقصة الحارس (المطرود) وسلوك (غير مشرف). ـ من حسن حظ المذيع أن ضيفه لم تكن أمامه (طفاية) سجائر.. وإلا أصبح المشاهد على موعد مع فلم (اكشن) من الدرجة الأولى بحكم أن ذاكرته (القوية) سوف تسترجع (مشهدا) لم ولن ينساه طيلة حياته حينما تعرض لمن يرمي في وجهه طفاية سجائر لمجرد أنه عبر عما في نفسه من آراء لم يتقبلها منه رئيس المؤسسة التي يعمل فيها حتى الآن، والأجمل من ذلك كله أن المذيع قدر الحالة (النفسية) للناقد الحصري فـ(قفل) الموضوع برمته سريعا موجها حديثه للمشاهدين بقوله فاصل ونعود إليكم لنستكمل بقية فقرات البرنامج. ـ ما دعاني إلى سرد هذه القصة التي تابعتها عبر برنامج رياضي عرض مساء يوم السبت الماضي في مشهد (درامي)، هو أن (سمعة) الإنسان تطارده في كل مكان، حتى ذاكرتيه العقلية والنفسية لا يستطيع (الفرار) منهما، وإن حاول الهروب فلابد أنه في يوم من الأيام سوف (يطب) طبة قوية مثلما حدث للناقد الحصري الذي وقع بلسانه في (شر) أعماله بعدما تجلى إبداعا وهو يستدعي ماضيه السيء في لحظة أراد أن يكون (واعظا)، إلا أن المذيع (فطن) له وأنقذ الموقف بأربع كلمات (اسكت أنت مش ناقص).. خوفا على ضيفه من نهاية تؤدي إلى طرده للمرة الثانية، على اعتبار أن تاريخه الأسود لا يشفع له بأن يكون (ناصحا) ويلبس رداء (الفضيلة). ـ عقب نهاية البرنامج استرخت عيني لتنام فإذا برئيس نادي الاتحاد (طلعت لامي) أراه في حلم أشبه بأحلام اليقظة ليقول لي (عدنان شفت يلي شفته وسمعت يلي سمعته) فقلت له نعم ثم سألته عن رأيه فقال أعجبني المذيع فقد كان (صاحي له) فعدت متسائلا ماذا تقصد فرد علي قائلا (كبسه) ثم قهقه (أبو محمد) قهقهته المعروفة، فاستيقظت من تلك الغفوة ضاحكا وأنا استرجع تلك (القهقهات) التي صدرت بـ(عفوية) وبمنتهى(البراءة) من ذلك الرجل الطيب الذي له (تاريخ) يفتخر به جيل بعد جيل.