مقالات الكتاب

الجماهير في المدرج من يصنع أفكارهم ؟

يستطلع موقع الاتحاد السعودي لكرة القدم، على شبكة الإنترنت، رأي متصفحيه حول الطريقة المثالية، لمعالجة مناوشات الجماهير في المباريات! هذه صيغة السؤال، وحدد الموقع، ثلاثة خيارات للتصويت عليها، وكانت أولا: التشجيع المثالي واحترام الآخرين وثانيا: المراقبة الأمنية وثالثا: التوعية المستمرة، من اتحاد الكرة والأندية، والإعلام.
بلغ عدد المصوتين نحو الـ50 ألفا، وثالثا هذه أخذت، فقط، أقل نسبة من التصويت 7.9 في المائة بينما جاء التشجيع المثالي، النسبة الأكبر 49 في المائة. والمراقبة الأمنية 30 في المائة. ولا أعلم إن كان المقصود من الاستطلاع، الخروج بنتيجة يمكن الاستفادة منها، في البدء، بتطبيق آلية للحد من تلك المناوشات تقدم فيما بعد على شكل تعليمات، بضوابط نظامية تتضمن عقوبات ضد المخالفين، أم أن ذلك جاء في إطار توعوي من خلال توجيه الاهتمام إلى أن هناك ما يستوجب التنبيه، ولفت الانتباه إليه.
لكن الأمر بالنسبة لي مختلف، إذ أولا: أعتقد أن مستوى المناوشات إن وجدت لا تصل إلى مستوى البحث لها عن حل بواسطة آلية معرفه اتجاهات الرأي، أو الرغبة في معرفة وجهة النظر، كما بدا واضحا من طرح هذا السؤال على الموقع لاستطلاع الآراء حوله، وهذا يحمد للجمهور، ثانيا: أن هذه المناوشات التي أشار لها لاستطلاع، لم يتم تحديد نوعها، ولا ما إذا كانت داخل الملاعب، أم خارجها؟
استطلاع الرأي، بطريقة التصويت على بعض القضايا، بالقبول أو الرفض، أو مع وضد، أو أختيهم لا أعلم وغير مهتم، لا تتجاوز عند بعض المواقع غرض قياس عدد الزائرين المتصفحين، أكثر منه معرفة رأيهم، في قضية أو توقعهم، لنتيجة مباراة رياضية، أو خلافه، لذا فإنه يجب أن تتجنبه المواقع، ذات الصلة الرسمية بالشأن العام، ما لم يكن أمرا واقعا، يحتاج منها إلى معالجة، وحينها يكون طرحها لذلك بشكل مدروس ويتم وضع أسئلته بعناية، تأخذ في الحسبان ما قد تحمله من رسائل، قد تكون ضلت الطريق تمامًا، كما هي مناوشات الجماهير في المباريات (المذكورة) وهي التي إن حدثت في الملاعب السعودية تظل محدودة، فضلا أن تكون ظاهرة.
الجماهير الرياضية، التي تجلس على مقاعد المتفرجين، في استادات كرة القدم، أو قاعات الألعاب الأخرى، حجر الزاوية في منظومة اللعبة، ولا يختلف أحد على مدى تأثيرها، سلبا أم إيجابا على قوة المنافسات، وعلى قدرات الرياضيين المتنافسين، وأيضًا على أداء مسيري الأندية، وبقية حلقة هذا النشاط، كما لا يمكن إنكار أنهم أيضًا يتأثرون بما يدور أمامهم وحولهم، ولديهم استعداد فطري للتفاعل معه، وأن ما تقدمه وسائل الإعلام من محتوى وما يتم تناوله وتبادله من أخبار أو تعليقات، بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، له صلة مباشرة بالانطباع والتصور الذي يصلون إليه، تجاه أي موضوع، ولعل محاولة قراءة ذلك بتأنٍ وفهم، يمكن أن يكون مفيدا أكثر، في أي وقت أردنا فيه معالجة بوادر خروج على النص، من على هذه المدرجات، أما إن جاء من خارجها، فإن مسؤوليته تقع على جهات عدة، أولها الأشخاص الذين ارتكبوا ذلك.
وإذا أردنا أن نتجاوب مع ما ظهرت عليه نتائج الاستطلاع المشار إليه، بغض النظر عن سلامة السؤال، أو ما يجب أن تتضمنه أسئلة أي استطلاع بقواعده وضوابطه، فإن اللافت أن النسبة الأكثر (49 في المائة) كانت ترى أن التشجيع المثالي واحترام الآخرين يمكنه معالجة مناوشات الجماهير في المباريات، وهذا دليل على أن الخيارات الثلاثة أو أحدها التي رأى الاستطلاع أنه قادر على معالجة المناوشات، غير صحيحة أو لنقل أن هذه الخيارات، جاءت على شكل نصيحة بالدعوة والتذكير بالمثالية واحترام الآخرين، والثانية تلويح بالمراقبة الأمنية التي يعني أنها ستنتهي للعقوبة الرادعة، وفي الثالثة ترك الخيار مفتوحا بين كل الأطراف من إعلام واتحاد كرة وأندية، ليقوموا بدور توعية مستمرة، لإقناع الجماهير باختيار واحد من هذه الثلاثة، فكان الخيار الأغلب، التشجيع المثالي واحترام بعضهم البعض، وهذا أمر جيد، لكن الذي نود لو عرفناه، من هؤلاء المشاركين في التصويت، ومن أين، ومتوسط أعمارهم، وجنسهم، وفي أي ظرف طرح عليهم هذا السؤال وأجابوا، وهل الـ50 ألفا في الأصل، جماهير تحضر في مدرجات الملاعب، أم جماهير من منازلهم، أم أنهم آخرون لا علاقة أصلا لهم بالأمر.

نقلاً عن الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى