النقد الرياضي في خطر

ليس هناك أسوأ من أن يقف الإعلام الرياضي حائراً متردداً، يكتب كلمة ويمسح أخرى، بعد أن أصبحت فوضى الاتهامات الخطيرة في الآونة الأخيرة تحيط به ذات اليمين وذات الشمال في الأفراح والأتراح، كي يصبح الشماعة التي يعلِّق عليها الآخرون إخفاقاتهم وفشلهم الذريع، أو من أجل أن يُقلَب في وجهه ظهر المجن لمجرد تقرير أو خبر عابر، تارة من مسؤول كما في تصريح حافظ المدلج الشهير بعد إخفاق المنتخب السعودي في التأهل لكأس العالم، وتارة أخرى من رئيس ناد متوَّج بالذهب كما ورد في تصريح خالد البلطان أخيراً.
هذا الوابل من التهم والصدمات التي تلقاها الإعلام الرياضي أشاع تخوفاً لا مبرر له، ورسَّخ مفهوماً خاطئاً جعلنا أمام أزمة حقيقية في النقد الرياضي، الأمر الذي أصاب النقاد بالحيرة والذهول، وأجبرهم على أن يكونوا أمام موقف لا يحسدون عليه، بعد أن أصبحوا محاصرين من جميع الجوانب، فهم عندما يطرحون قضية شائكة ويتعاملون معها بكل جرأة، ليكشفوا سوأة الخلل ومصدره بحرية ومصداقية فإن الاتهامات ستنقاد إليهم بلا تردد، وإذا اختاروا لغة الصمت فإنهم لن يسلموا، وسيصبحون في دائرة الاتهام والشك والريبة حتى وإن كان الصمت حكمة في بعض الأحيان، أما الطامة الكبرى التي لا حل لها فحين يشرعون أقلامهم في إعطاء كل ذي حق حقه، أو كيل المديح لمستحقه.
أمام هذه المآزق التي لن تفلح مقولة ”رضا الناس غاية لا تدرك” في صدها، وأمام هذه التهم التي باتت كالعلقم في فم الإعلام الرياضي، أصبحنا إزاء مهازل نقدية مسيئة لمهنية وصميم عمل الناقد الرياضي ومهمته الرقابية، تتبناها صحف وبرامج رياضية طالتها الحيرة فأصبحت تخصص المساحات والساعات الطوال لمناقشة أمور تافهة لا تستحق أن تطرق أذن المشاهد أو تقع على عينيه في زمن ثورة الإعلام الجديد.. كل ذلك هروباً من هذا البركان الثائر، وإلا هل يعقل أن تصبح الأعمدة الرياضية مادة دسمة للأكلات والوجبات السريعة، أو أن يجتمع إعلاميون على طاولة نقدية وفي حوار جاد للاعتراض وبشدة على مَن كان يجلس يمين أو يسار أحمد عيد رئيس اتحاد الكرة المؤقت لحظة تتويج بطل ”زين”، وهل له علاقة بالاتحاد أم لا؟
إن النقد الرياضي عندما يخرج عن إطار دائرته الواسعة الغنية بآلاف القضايا الرياضية فإن ذلك يضع أكثر من علامة استفهام على من أوصل هذا الطرح إلى هذا المستوى الذي من شأنه أن يصيب النقد الرياضي في مقتل أو يخلق أزمة ثقة بجدواه، فالمتابع يتمتع بحس نقدي رفيع، ومن أجل ذلك فلا بد أن تعي الصحف والقنوات الرياضية أن أفكار الإعلام الرياضي ورؤاه مهمة للمتلقي بالدرجة الأولى، دون إرضاء هذا أو الخوف من ذاك، وربما أسهمت التقليعات النقدية الجديدة في انصراف القارئ أو المشاهد إلى ساحات النقد الحقيقي التي لن يكون فيها مكان لمن يخلع لباسه النقدي وحسه المهني ليقع في مصيدة الصمت والاستخفاف والتهريج والمجاملة!
في تصوري أزمة النقد الرياضي لن تقف عند هذا الحد، فلا الإعلاميون المتهمون الغارقون في جلباب صمتهم، وقفوا في وجه هذه الأقاويل والتهم، ولا وزارة الثقافة والإعلام المعنية بحل هذه القضايا الشائكة عالجت الموقف ووضعت النقاط على الحروف.. وبين صمت الإعلاميين وسكون الوزارة.. الله يستر من القادم!