مقالات الكتاب

توتي و الزمالك ، من يفهم متعة الفقراء؟

عند فجر يوم الاثنين، الموافق التاسع من فبراير، في مشرحة زينهم بالقاهرة، تعالت صراخات مماثلة لتلك الصراخات المدوية التي سمعناها من قبل في مطار ألماظة بعد كارثة بورسعيد، صرخات آمهات وأباء خنقهم الظلم والقهر، شيء لا يصدق أن ترى حادثة قتل في ملاعب الكرة تتكرر أمامك في غضون ثلاث سنوات برعاية نفس الأطراف المعنية «الاتحاد المصري وجهاز الشرطة والحكومة والإعلام والأندية».

22 إنسان مصري ودعوا الحياة تحت ممر حديدي غير آدمي في ملعب الدفاع الجوي قبيل مباراة الزمالك وإنبي، بعد إطلاق الغاز السام المسيل للدموع على عدد هائل من الجماهير من قبل الشرطة، ومع ذلك أقيم اللقاء رغمًا عن الأرواح الطاهرة التي طارت محلقة في السماء لتشاهد ثلاثة مشاهد صادمة.

المشهد الأول: لاعب الوسط «عمر جابر» انسحب من الملعب، وزملائه في الفريق بقيادة أيمن حفني ادعوا بعد انتهاء المباراة بأنهم لم يعرفوا حقيقة وفاة هذا الكم من مشجعيهم، فكيف علم زميلهم جابر؟.

المشهد الثاني: مرتضى منصور تمنى أثناء حديثه لإذاعة الشباب والرياضة لو كان سائقًا للحافلة لدهس المشجعين الذين وصفهم بالبلطجية وأعوان الإخوان والقادمون لافساد الحياة النيابية في مصر مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.

المشهد الثالث: في مساء اليوم التالي للحادثة، بدلاً من اعتذار الرئيس «السيسي» عن حفل الأوبرا الذي حضره مع الرئيس الروسي «بوتن» الذي وصل القاهرة، من أجل مشاطرة أهالي الضحايا آحزانهم كما فعل مع الفتاة المغتصبة وكما فعل مع ضحايا الجيش والشرطة في مناسبات مختلفة، حرص على الذهاب بكل بساطة لحضور الحفل الغنائي مع بوتن. قمة في تقدير حياة الإنسان المصري!.

قبل عدة سنوات أثناء سير ديربي لاتسيو وروما، علم أسطورة فريق العاصمة «فرانشيسكو توتي» بمقتل أحد المشجعين خارج الملعب الأوليمبي من مصدر غير موثوق به وغير رسمي، كانت مجرد أحاديث وكلمات تردد في المدرجات وأنصت لها توتي، فلم يستطع اللعب وقرر التوجه إلى الحكم وطالبه بإيقاف اللعب أو إلغاء المباراة.

وفي مباراة بين فياريال وسلتا فيجو على ملعب إل مدريجال الموسم الماضي قام أحد المشجعين الغاضبين من خسارة فياريال بإلقاء قنبلة غاز مسيلة للدموع على أرض الملعب، ومع ذلك ورغم هذا الجُرم لم يُضرب أو يهان من قبل رجال الأمن، هذا لأن هناك تقدير للقانون الذي سيأخذ مجراه.

الشرطة المصرية منذ ثلاث سنوات حتى الآن لم تضع خطة أو برنامج محكم لإدارة الأزمات والتجمعات الجماهيرية والتصدي للشغب المتعمد، ومن الواضح أنها لم تستفد من الهفوات الفادحة لمباراة بورسعيد أو حتى من الاختبارات العادية في مباريات المسابقات الأفريقية للأندية التي أقيم معظمها في الغردقة البعيدة عن الأضواء والزخم الجماهيري.

فضيحة الدفاع الجوي لا تقل فظاعة عن بورسعيد. الشرطة تغاضت عن حماية جماهير الأهلي بل قامت بحماية الجناة وأطفت أنوار الاستاد في مشهد عبثي، وهذه المرة شاركت بأيديها بإطلاق الغاز المسيل للدموع في ممر حديدي أكتظ عن بكرة أبيه بأعداد غفيرة من الجماهير الراغبة في اللحاق بمن سبقوهم إلى المدرجات لكنهم لفظوا أنفاسهم الأخيرة مختنقين ومتكسرين تحت الأقدام.

التدافع والهلع أمر طبيعي، فالغاز السام المنبعث من القنابل المسيلة يحجب الرؤية ويجبر أي إنسان مهما كانت قدرة تحمله على غلق عينيه، ومع الكم الهائل من الجماهير تضاعف التصادم والتلاحم، فكانت تلك القنابل بمثابة السم الذي دس في العسل لتبرئة الجناة لتظهر الجرية «كارثة طبيعية»، بالضبط مثلما سبق ودُس السم في حادثة بورسعيد.

في فبراير 2012، وصف الهمج الذين اغتالوا 72 مشجعًا أهلاويًا بأنهم من جمهور المصري والاحتقان والمنافسة بين الناديين من بين الأسباب الرئيسية وراء اقتحام الملعب، وأُلصقت التهمة من الشرطة وبعض وسائل الإعلام في سكان المدينة الباسلة الذين ظلت معاناتهم قائمة «اجتماعيًا وسياحيًا» لشهور طويلة من تبعات هذا الاتهام الشنيع، فبماذا سيتحججون هذه المرة؟ المباراة أقيمت في القاهرة، وجمهور الزمالك فقط الذي حضر.

يقولون أنهم «بلطجية» وليست معهم تذكرة المباراة، وبيان الشرطة كان أهم اعتراف حين قال «الكرة للجمهور المحترم»، وهذه أكثر كلمة تشعرك بالغثيان والقرف، فمنذ متى وهناك «كتالوج» للمشجع؟ منذ متى وهناك مشجع محترم ومشجع غير محترم؟ وهل المشجع المحترم من حقه أن يعيش والمحترم يجب أن يقتل؟

عندما كنت في الثانوية العام، أي منذ 15 سنة، حضرت مباريات كثيرة من مدرجات الدرجة الثالثة دون شراء تذكرة، وفي نهاية عام 2001 شاهدت ثلاث مباريات في تصفيات مونديال كوريا واليابان، من بينها مباراة المغرب من الدرجة الأولى في ستاد القاهرة «ببلاش»، وبهذه الطريقة العفوية البريئة التي حضرت بها المباريات أكتب لكن هذه المقالة عن الرفاق القدامى، كان وارد أن تروا أحد هؤلاء الشباب الذين ماتوا يكتب لكم مقالاً في إحدى الصحف أو المواقع بعد 10 سنوات من دخوله لملعب الدفاع الجوي بنفس أسلوبي أو ربما يفيد الناس بعلم أو يتحمل مسؤولية عائلة بعد وفاة أبيه أو أو..

أكثر شيء يميز كرة القدم انها متعة الفقراء الوحيدة، والجمهور الحقيقي في كل العالم هو جمهور الدرجة الثالثة، فهو الذي يتحمل مشقة الزحام والإهانة أحيانًا كثيرة من أجل دخول الملعب، ومن المستحيل أن يفهم الذين يعيشون الرفاهية معنى جلوس الشباب في المدرجات قبل المباراة بثلاث ساعات للتشجيع طوال ال90 دقيقة.

هؤلاء الشباب ليس معهم المال ليذهبوا للمنتجعات الترفيهية أو للتجول في أوروبا أو ليشتركوا في نواد البرجوازيين، والذهاب إلى الملعب لمشاهدة فريقهم المفضل هي أقصى طموحاتهم لاشباع شغفهم، هؤلاء هم البلطجية هم الذين حموا أموال وممتلكات الناس في اللجان الشعبية بعد انسحاب الشرطة يوم 28 يناير 2011، لكن كالعادة لا أحد يتذكر أي شيء، ولا يزال هناك من يدافع عن من يسلبون الأرواح المنعوته بأقذع التهم والأوصاف. رحم الله الرجال الانقياء، لن ننساكم.

نقلاً عن العربية .نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى