مَن يخفي التاريخ؟

في كل مرة تشارف بطولة في بلادنا على نهايتها يجد الإعلام الرياضي نفسه في مأزق التوثيق التاريخي لما سبق, وهي مهمة لا يمكن أن يقدمها باستقلالية تامة, إلا اتحاد الكرة نفسه, ولا أعرف لماذا يقدم رِجلا ويؤخر أخرى هذا الاتجاه.
أتذكر أننا في العربية حاولنا الغوص في تاريخ البطولات السعودية, بحثا عن قائمة واضحة بتاريخ البطولات وأبطالها وسجلاتها الذهبية, بحثنا في كل مكان عن أوراق تدلنا على شيء ما نقدمه للجمهور يثق به, بعيدا عن توثيق فردي قد تشوبه شائبة تخرجه عن الحيادية تزيد الجدل ولا تنهيه.
بدأنا من الاتحاد السعودي لكرة القدم وأمانته العامة, التقينا كل الأمناء السابقين وطرحنا عليهم أسئلة محددة: أين تاريخ البطولات السعودية؟ وما الربط المناسب بينها مع تغير المسميات من عهد إلى عهد؟ وهل بطولة الدوري السعودي امتداد لبطولات المناطق السابقة كما هي في بعض الدول, أو أنها بدأت ببدايتها الرسمية التي اجتمعت فيها كل فرق الوطن؟ وما البطولات المعتد بها؟
أسئلة كثيرة, بحثنا في كل مكان عن أوراق تجيب عنها, ولم نجد, حتى الإجابات الشفهية كانت قصيرة لا تغني ولا تسمن, وبعضها أتى على غرار وفي فمي ماء, وهو ما استشفيته من إجابة الأمين الأسبق عبد الرحمن الدهام أحد رموز المرحلة الذهبية لكرتنا, سألته: أين الأوراق والثبوتات يا أبا عبد العزيز؟ أنت رجل مرحلة مهمة جدا, ومؤكد أن لديك تاريخا مكتوبا ومنقولا, حاولت استثارته لانتزاع إجابة فقلت: لا أصدق أنك أمين عام الاتحاد السعودي ربع قرن ولا تملك إجابات عن هذه الأسئلة؟ ابتسم وقال: يا ولدي – وهي مفردته الدائمة عندما يحاول كتم غيض ما – يا ولدي, كل شيء موجود ومكتوب في الاتحاد السعودي لكرة القدم, كل شيء, من أول كأس إلى آخر كأس. قلت: أين هي, كيف نحصل عليها؟ قال: ابحث عنها, ولن تجدها. ولم يقدم بعد ذلك أي توضيحات بل ختم حديثه الودي: أنا بعيد الآن عن كل شيء رياضي وإعلامي, إذا اتصلت في المرة المقبلة, أرجو أن يكون اتصال صديق يطمئن على صديقه فقط.
اتجهت بعد ذلك لمؤسسين أمثال محمد بن جمعة والراحل عبد الرحمن بن سعيد, قدم لي الأخير – رحمه الله وأسكنه الجنة – مخطوطات يدوية ثرية بالمعلومة والتفاصيل دوّن فيها كل شيء, لكنه لم يجبني بوضوح عن تصنيف ومسميات البطولات, بل قال بأمانة: هذه تحتاج إلى توضيحات من اتحاد الكرة, مع ميله إلى أن كل بطولة لها استقلاليتها بتاريخها حتى لو توقفت.
طرحت السؤال على مؤرخين آخرين, بعضهم عايش فترة البدايات, وبعضهم يؤرخ بتواتر عن ثقات سابقين ولا إجابة واضحة عن التصنيف, كلٌ له مدرسته الخاصة, ومنهجه الخاص ولا يقطع الشك باليقين إلا جهة رسمية تقدم إجابات شافية عن البطولات الرسمية وامتداداتها التاريخية مع تغير المسميات في كل حقبة زمنية.
في عام 2001, عندما تشكل الاتحاد السعودي آنذاك فيما عرف باتحاد الأمراء كناية عن دخول أمراء جدد له للمرة الأولى, كلف الأمير سلطان بن فهد الرئيس السابق لاتحاد الكرة, الأمير تركي بن خالد بتكوين لجنة لتوثيق البطولات السعودية وحسم جدليات الرسمية والودية واتصالها وانفصالها مع تغيير المسميات, ولدت اللجنة وبدأت العمل, خاطبت كل الأندية تطلب تزويدها بما تحفظه لفرقها من بطولات, جاء الرد بتصريحات عبر الإعلام: ماذا تريدون, التاريخ واضح.
بحث أعضاء اللجنة في سجلات الاتحاد السعودي, طلبوا المساعدة من الموظفين, الأغلبية كانوا يجيبون عن الطلبات: هذا وجع رأس. كان الخوف من شيء ما يسيطر على أغلب من يطلب منهم المساعدة. ولاحقا اختفت اللجنة ربما باستقالة رئيسها وربما لأسباب لا أعلمها.
كل شي معروف وموثق في الاتحاد السعودي لكرة القدم ولكن عندما تأكد الفاشلون والمزيفون والمظللون انهم لن يتمكنوا من اللحاق بالزعيم بدا البعض باختراع بعض البطولات مثل البطولات التنشيطيه وبطولات المناطق وبطولات الحواري ولا ننسى بطولات الكيرم والضومنه